الصحة والبيئة // شبوة/محمد الجرادي:
أقام أستاذ علوم البيئة بجامعة الحديدة، الدكتور عبدالقادر الخراز دعوى قضائية، أمام محكمة مأرب الابتدائية في 16 سبتمبر/أيلول عام 2020، ضد شركة صافر لعمليات الإنتاج والاستكشاف “الشركة الوطنية للنفط والغاز”، بسبب عدم التزامها بمعايير السلامة الصحية والبيئية، إذ قامت بدفن 3400 طن من سوائل ناجمة عن الإنتاج النفطي، في منطقة بين محافظتي شبوة ومأرب بشكل سري وغير آمن، في مايو/أيار عام 2019، رغم أنها تحتوي مركبات هيدروكربونية ومعادن سامة، كما يقول الخراز، والذي يوضح أن تلك المواد تنتقل إلى المناطق السكنية المحاذية وتدمّر البيئة وحياة الأهالي، ما دفع المتضررين إلى مطالبة الشركة بالالتزام بالمعايير والاحتياطات المفروضة في حالات دفن النفايات النفطية، وتعويضهم عن الضرر الذي لحق بصحتهم وأراضيهم الزراعية وموارد المياه.
مخالفة معايير التخلص الآمن من النفايات:
يكشف تحقيق العربي الجديد، آثار التلوث النفطي الخطيرة التي فاقمت معاناة اليمنيين، بسبب عدم مراعاة معايير الحفاظ على الصحة والبيئة في مناطق الإنتاج بشبوة جنوب شرقي اليمن، ومأرب في الشمال الشرقي، ويؤكد الخراز عبر رصد نشاط الشركات النفطية أثناء عمله رئيسا للهيئة العامة لحماية البيئة التابعة لوزارة المياه والبيئة في عام 2018، أن غالبيتها تعتمد على عمل حُفَر مجاورة لآبار النفط، تضع فيها المخلفات وتتركها فترات طويلة دون معالجة، بينما تقتضي المعايير الصحيحة عمل طبقة عازلة وسميكة تمنع تعرض المخلفات للشمس والرياح، مشيرا إلى توثيق بلاغات للأهالي تمت في عام 2018 ضد شركة صافر، لمخالفتها المعايير الآمنة أثناء تخلصها من مخلفات الإنتاج النفطي في مناطق عملها.
ويقول الخبير النفطي محمد مُطَلِّس، أن مخلفات ونفايات الإنتاج، أو تسرب غازات منها ما يتصف بسمّية عالية، مصدرها آبار نفطية توقف العمل فيها بداية الحرب، أو آبار قديمة ومهملة جدرانها متآكلة ولم تتمكن إدارة الشركة من صيانتها، مرجعا ذلك إلى عدم تخصيص ميزانية لشركة صافر للقيام بأعمال الصيانة، أو تصريف مخلفات الإنتاج النفطي حاليا، وهو ما يحتاج إلى موازنة كافية للقيام به وفق المعايير المتفق عليها عالميا.
تدمير حياة السكان
تزايدت المخاطر البيئية والصحية بفعل التسريب النفطي المتكرر من الأنبوب الروسي الناقل للنفط الخام من منطقة التصدير قطاع 4 في غرب عياد بشبوة، وصولا إلى ميناء النشيمة على ساحل بحر العرب في مديرية رضوم بالمحافظة، والذي توكل مسؤوليته إلى الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية. بحسب
د. عمار حبتور، أستاذ اقتصاديات وإدارة النفط في كلية النفط والمعادن بشبوة، مؤكدا أن مخلفات التسريب النفطي خلال الأعوام 2018 و2019 و2020، أنتجت مهددات حقيقية للبيئة في عدد من المناطق التي يمر عبرها الأنبوب، وخصوصا في قرية ووادي غُرير بمنطقة الغيل جنوب شرق شبوة والمنطقة المجاورة له في مديرية الروضة.
وأرتكبت الشركة اليمنية للإستثمارات النفطية والمعدنية مخالفات جسيمة أثناء تعاملها مع التسرب النفطي في 6 مناطق بمنطقة الغيل خلال العامين الماضيين، بقيامها بدفن مخلفات التسرب قرب منازل المواطنين وعلى بعد 50 مترا فقط عن آبار الشرب والزراعة، بدون أي عوازل، كما عرّضت العمال بالأجر اليومي للخطر من خلال حثهم على النزول إلى أماكن التسرب من دون ملابس واقية، بحسب حبتور، وهو ما يطابق ما جاء في التقرير الصادر عن الهيئة العامة لحماية البيئة في 11يناير/كانون الثاني 2020 بعد الزيارة الميدانية لمواقع تسرب النفط في شبوة، بأن الشركة كلفت مواطنين بجمع النفط من مجرى وادي غرير دون إجراءات واقية للحفاظ على السلامة العامة وعلى البيئة.
ويقول الأربعيني نصيب سعدالله نصيب، والذي عمل مع الشركة اليمنية في جرف النفط المتسرب إلى وادي غرير في يناير 2020، أنه أصبح يعاني من ضيق التنفس الحاد، مشيرا إلى تضرر أرضه الزراعية بسبب النفط المتسرب بشكل متكرر. ويرد نائب مدير عام الشركة عادل الحمادي على ما وثقته “العربي الجديد” بقوله إن الشركة “تدفن النفايات الناتجة عن التسرب النفطي في أماكن بعيدة عن موارد المياه والمناطق الزراعية وتجمعات السكان”، مؤكدا اعتمادها طريقة خلط النفايات أثناء عملية الدفن بمواد أخرى تساعد على تحويلها لمواد غير ضارة بالبيئة.
لكن تقرير الهيئة أدان إجراءات الشركة حيال التسرب المتكرر في منطقة غيل السعيدي ووادي غرير الأكثر تضررا بملوثات التسرب، ووصف إجراءاتها بأنها لا ترقى إلى حجم المشكلة، كما لم تمنع وصول التسرب إلى المسطحات المائية والأراضي الزراعية. ارتفاع نسب العناصر السامة كشف تحليل عينات ترابية ومائية تم الحصول عليها من محافظة شبوة أجرته الهيئة العامة لحماية البيئة، أثناء الزيارة الميدانية في يناير الماضي عن ارتفاع نسب العناصر السامة والملوّثة في الهواء والتربة والمياه السطحية والجوفية نتيجة التسرب النفطي، وحرق النفايات النفطية بواسطة الشركات أو تبخرها بفعل حرارة الشمس ما يؤدي إلى انبعاث غازات خطرة ومركبات سامة مثل أول وثاني أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين وكبريتيد الهيدروجين، وقد تؤدي إلى هطول الأمطار الحمضية، كما أن الدخان الناتج عن الاحتراق بما يحتويه من غازات وجسيمات دقيقة قادرة على دخول الرئتين مسببا الأمراض التنفسية المزمنة كالربو وحالات ضيق التنفس والحساسية. بحسب تقرير الهيئة.
وتحتوي النفايات النفطية المدفونة على الزرنيخ والبوينت والكروم، وغيرها من المعادن الثقيلة السامة، كما يوضح الخراز، مؤكدا أن الخطر يكمن في تسرب هذه العناصر إلى المياه الجوفية وإلى التربة ومنها إلى الإنسان مسببة الأمراض الخطرة. وهذه ليست مسألة جديدة، إذ كشفت دراسة ميدانية بعنوان النفط المسموم نشرت عام 2012، أعدها الأكاديمي في جامعة عدن الدكتور حسين مثنى العاقل، وجود “مقابر” لدفن نفايات كيمائية خطيرة في مديريات عرماء، وجردان، وعسيلان، وهي مناطق النشاط النفطي في شبوة، تسببت بها الشركة الأسترالية “أويل سيرش” التي كانت تدفن المخلفات النفطية الناجمة عن حفر الآبار في منطقة شبوة القديمة، بالإضافة إلى الشركة النمساوية OMV التي لم تلتزم بأي معايير أثناء نقل المخلفات السامة من حقل العقلة، وتعد الشركة النمساوية الوحيدة من بين 4 شركات أجنبية قررت العودة للعمل في شبوة عام 2018، بعد أن اضطرتها الحرب للمغادرة عام 2015. وفقا لمدير مكتب وزير النفط والمعادن، سعيد المرنوم.
وتقول الشركة في ردها على “العربي الجديد” أنها تتخلص حاليا من النفايات بواسطة مقاولين معتمدين، وتقوم بمراقبة المعايير البيئية بانتظام، كما انتهت في 2020 من بناء وتشغيل مرفق متكامل لإدارة النفايات، وزرعت 300 شجرة في حقل العقلة S2، مؤكدة أن الاتهامات التي وجهت إليها من قبل غير صحيحة.
تواطؤ رسمي
يكشف المستشار في الهيئة العامة لحماية البيئة، نائف الخليقي، عن تواطؤ رسمي مع شركات الإنتاج النفطي وعدم إلزامها بالعمل وفق القوانين واللوائح، قائلا إن الهيئة كواحدة من الجهات الرسمية المخولة قانونيا بدور رقابي على عمل الشركات تواجه في كثير من الحالات المنع من الوصول إلى مواقعها. و”تتواطأ السلطات مع الشركات بمقدار ما تحصل عليه من مكاسب”. بحسب الخليقي.
ويوافقه في ذلك نائب عميد الشؤون الأكاديمية في كلية النفط والمعادن في جامعة عدن، الدكتور عرفات محمد بن محمد، مؤكدا أن “الشركات النفطية ليست ملتزمة بقوانين حماية البيئة، وأن التراب والهواء والساحل صاروا ملوثين، دون حسيب أو رقيب”.
في حين ينفي المرنوم التواطؤ مع الشركات في نشاطاتها التي تمس بالحقوق البيئية والصحية، كما ينفي دفن نفايات نفطية في المنطقة، مؤكدا أن الوزارة كجهة رسمية تقوم بدورها الإشرافي والرقابي على عمل الشركات.
تزايد حالات السرطان
بلغ إجمالي حالات السرطان المسجلة لدى المركز الوطني لعلاج الأورام بمدينة عتق في شبوة، 1396 حالة من عام 2013 ولغاية سبتمبر/أيلول 2020، حيث تشهد محافظة شبوة تزايدا غير مسبوق في أعداد الإصابات بالسرطان، وخاصة بين السكان المقيمين قرب مواقع النشاط النفطي. وفقا لنائب المركز الدكتور علي وهال.
وسجل المركز 192 حالة إصابة جديدة بالسرطان، خلال الفترة الممتدة بين يناير وحتى سبتمبر 2020، في حين كان العدد 117حالة في 2018، وسجل 114 حالة في 2019. وأشار وهال الى أن نسبة المصابين من السكان في مناطق النشاط النفطي، بلغت 36.4%. فيما وصل عدد الحالات المترددة على المركز إلى 1315 مريضا خلال النصف الأول من عام 2020، بمعدل 220 حالة شهريا، وبلغت الوفيات في ذات التوقيت 27 وفاة، وتم إعطاء المرضى 468 جرعة كيمائية خلال الفترة ذاتها.
ومن بين هؤلاء مصابون من عائلة فني المختبرات بمستشفى بيحان الحكومي أحمد الدهمشي، والذي يروي تجربة عائلته القاسية مع السرطان، إذ يسكنون في مديرية عين القريبة من مواقع النشاط النفطي في شبوة، وهو ما يراه السبب الرئيسي في إصابة ستة من أفراد أسرته خلال عام 2019 بالسرطان، اثنان منهم فارقا الحياة في يوليو/حزيران الماضي. قائلا: “كنا نلاحظ انتشار السرطان بين سكان المنطقة بصورة مقلقة خلال السنوات الماضية، حتى أصبحنا من ضحاياه”.
إرسال تعليق